أَبو نزار، الحسن بن أبي الحسن صافي
أَبو نِزار، الحسن بن أبي الحسن صافي (۴۸۹-۵۶۸هـ/ ۱۰۹۶-۱۱۷۳م)، أدیب و نحوي، لقب بملک النحاة. وقد استقینا معلوماتنا عنه من مصنفات مؤرخین معاصرین له، هم ابن عساکر (نقل شفوي عن أبي نزار نفسه)، وعمادالدین الکاتب.
ولادته و نسبه
ولد أبونزار – علی حد قوله – في محلة دار الرقیق غربي بغداد. کان والده مولی للتاجر الحسین الأرموي، ولذلک کان یأنف من ذکر اسم أبیه و یذکره دوماً بکنیته أبي الحسن. کما کان یعتبر نفسه من قبیلة بني مذحج، فرع من قحطان.
دراسته و تدریسه
انتقل أبونزار بعد مدة إلی شرق بغداد، حیث یقطن الوجهاء، وبدأ فیه دراسته. أخذ النحو علی الفصیحي الذي کان بدوره تلمیذاً لعبد القاهر الجرجاني. سمع الحدیث عن أبي طالب الزینبي، وأخذ الفقه الشافعي علی أحمد الأشنهي، وعلم الکلام علی أبي عبدالله المغربي القیرواني، وأصول الفقه علی أبي الفتح ابن برهان، وعلم الخلاف علی أسعد المیهني. وبعد إتمام دراساته انخرط في التدریس.
رحلاته و وصوله إلی بلاط نورالدین
ذهب أبونزار إلی واسط في ۵۲۰هـ/ ۱۱۲۶م، وعقد حلقات الدرس فیها، وحظي بتکریم واحترام علمائها. ولهذا کان یحمل ذکریات طبیة عنها، فیعرب في أشعاره مراراً عن تحسره لأیامه الخوالي التي قضاها فیها. وبعد فترة توجه أبونزار صوب المشرق الإسلامي، فذهب إلی شیراز، ودخل في ۵۴۱هـ/ ۱۱۴۶م أصفهان، ثم رحل منها إلی غزنة، وبعدها إلی کرمان، ثم توجه نحو الموصل و الشام. کما أقام لفترة في حلب، وانشغل في جامعها بالتدریس، وفیها انخرط ابن أبي جرادة في زمرة تلامذته. وفي جمیع هذه الأسفار کان الأمراء والوجهاء یسعون إلی تکریمه، ومحبو العلم یسارعون إلی خدمته. وفي الواقع لم یترک أبونزار بغداد، إلا بعد ما ذاع صیته في البلدان الإسلامیة المختلفة. ومع کل ذلک، یبدو أنه لم یحظ في دمشق بالترحیب اللائق به، ذلک لأن ثلاثة من شعراء عصره قد هجوه، وهم ابن منیر وابن القیسراني والشریف الواسطي، کما أن ابن الصوفي وزیر مجیرالدین أبق لم یکترث بمدائحه، ولذلک لم یمکث فیها، ورحل منها إلی الموصل ومدح فیها جمالالدین محمد بن علي الأصفهاني وزیر الأتابک الزنکي و بقیة وجهائها. وقد أقتُرح علیه ذات مرة في الموصل أن یؤوب إلی دمشق، إلا أنه ولانزعاجه الشدید من دمشق والدمشقیین أقسم بأنه لن یعود إلیها مادام أولئک الأربعة علی قید الحیاة.
وهکذا یمکننا القول إن أبا نزار لم یعد إلی دمشق حتی ۵۴۹هـ/ ۱۱۵۴م، حیث توفي ابن الصوفي آخر أولئک الأربعة، وفي هذه المرة استطاع بفضل عمادالدین الکاتب الأصفهاني الذي کان آنذاک رئیس دیوان الإنشاء بالشام، أن بشق طریقه إلی بلاط نورالدین زنکي. ویتمتع لدیه بالرعایة والعنایة حتی آخر عمره.
وفاته
توفي أبونزار في دمشق و دفن في مقبرة الباب الصغیر.
تلامیذه و رواته
ومن بین تلامذته في النحو یمکننا أن نذکر أبا الفتح البلطي و شمیم الحلّي. وقد روی عنه ابن عساکر و أبوبکر الباقلاني، و کان أبوالمحاسن الفضل بن عقیل و أبونصر محمد بن هبة الله من رواة شعره. وله مراسلات مع شخصیات مثل عمادالدین الکاتب وابن المنقي.
ملک النحاة
وفي الحقیقة لم یأت أبونزار بجدید في النحو، رغم إطلاقه علی نفسه لقب ملک النحاة و إصراره علی أن یدعوه الجمیع بهذا اللقب (ظ: الذهبي، ن.ص) و إشادة عمادالدین بفضائله و درجات علمه والاستناد أحیاناً إلی آرائه و أقواله. کما أن لقبه ملک النحاة کان موضع سخریة ابن منیر الشدیدة. وهکذا نراه لم بحظ في القرون الأخیرة باهتمام، ولم یشتهر أبداً باعتباره عالماً مبرزاً صاحب رأي.
نثره و شعره
أما نثر أبو نزار، فإذا أخذنا بعین الاعتبار نماذجه القلیلة المتبقیة منه والتي تنطوي علی مراسلاته مع عمادالدین الکاتب، فهو نثر سلس خال من الصنعة إلی حدّما. نُسب إلیه أیضاً دیوان شعر. ورغم أن عمادالدین الکاتب و السمعاني قد أثنیا علی أشعاره کثیراً، وکان هو نفسه یری بغرور و تکبر أن أشعاره أفضل من قصائد لبید والدخطل وجرب، إلا أن أشعاره لم تطالعنا بأي إبداع أوظرافة تستحق الاهتمام، فهي تمتاز فقط بنأیها نسبیاً عن الصنعة اللفظیة والمعنویة، وإن انحسرت تلک السلاسة في بعض الأحبان لاهتمامه البالغ بالشعر العربي القدیم وأغراضه الجاهلیة. وماتبقی الیوم من أشعاره ۳۵۰ بیتاً تقریباً ذکرها عمادالدین وابن عساکر، أما المصادر الأخری فیندر العثور فیها، إلا علی بضعة أبیات له. والقسم الأکبر من أبیاته الـ ۲۴۹ التي ذکرها عمادالدین یرتبط بمکاتباته و معاتباته للأخیر. أما أشعاره الآخری فالغرض الرئیس فیها مدح الرسول الأکرم (ص) وعتاباته و هجاءاته لأفراد مختلفین، أو معارضاته لقصائد الشعراء السابقین. و تطالعنا من بین أشعاره قصیدة في رثاء الخلیفة المسترشد بالله. ومن العجیب أنه لم یشر في شعره قط إلی الحروب الصلیبیة، رغم أنه کان یعیش في خضمّها، إلا إذا افترضنا ضیاع و فقدان هذا الضرب من أشعاره.
خصلته الاخلاقیه
لقد کان علمه الوافر و معرفته الغزیرة و تکریم الوجهاء له، یزید یوماً بعد آخر من غروره إلی درجة استحقاره لعلماء کبار مثل سیبویه و ابن جني وذلک قیاساً إلی نفسه، و حدیثه عن بقیة العلماء باستعلاء. وقد کانت خصلته هذه تتجسد أحیاناً حتی في سلوکه مع الدمراء أیضاً، فأینما حل کان یسمي نفسه أمیراً، حتی إنه عدّ نفسه ملکاً مضاهیاً لأمیر غزنة حینما التقاه. کما لم یعر بالمرة اهتماماً بخِلع الأمراء و صِلاتهم، فکان بهبها إلی أفراد مجهولین و ذلک کما ورد في بعض الروایات، بل حتی عند التماسه إیاهم وطلبه منهم کان یخاطبهم بلغة آمرة.
مذهبه
ورغم کونه شافعیاً وإشادة البعض کابن عساکر و أبي نصر الشیرازي بحسن معتقده وکذلک عناوین بعض مؤلفاته مما یدل علی تعصبه لهذا المذهب، إلا أن خطأ ابن کثیر في خلط اسمه مع اسم یزدن الترکي أمیر بغداد الشیعي في ذیل حوادث سنة ۵۶۸هـ و تسلل هذا الخطأ إلی کشف الظنون قد أدی إلی أن یدخل اسمه في بعض کتب طبقات الشیعة وتراجمهم باعتباره عالماً شیعیاً.
آثاره
وما وصلنا حتی الآن من آثاره، هو کتاب بعنوان
1- المسائل العشر المتعبات إلی حشر، و هو عبارة عن أجوبته علی ۱۰ أسئلة ومعضلات نحویة، و یبدو أنه من أمالیه، وقد نُقل بأکمله في کتاب سفر السعادة للسخاوي والأشباه و النظائر للسیوطي.
أما مؤلفاه الأخری فهي:
2- الحاوي؛ 3- العمد والمنتخب، وکلاهما في النحو؛ 4- أسلوب الحق في تعلیل القراءات العشر وشيء من الشواذ، في القراءات؛ 5- المقتصد، في الصرف؛ 6- التذکرة السفریة التي ألفها في ۴۰۰ کراسة؛ 7- العروض؛ 8- الحاکم، في الفقه الشافعي؛ 9- دیوان أشعاره؛
وکذلک کتب موجزة في أصول الفقه وأصول الدین.
کماکان له کتاب باسم 10- المقامات، وقد أقدم علی تألیفه لأنه کان یری في مقامات الحریري بعض اللحن و الکلمات الرکیکة، ویعد موضوعاتها هزلاً، وذلک بتشجیع من أحد مریدیه، و کانت حصیلته ۵ مقامات، إلا أنه لم یوفق کثیراً فیها، إذ اکتفی عمادالدین الکاتب الذي أورد أشعاره تفصیلاً، بذکر مقدمة مقاماته و بعض أبیات وردت فیها[١].
تذييل
- ↑ صادقي، مریم، مرکز دائرة المعارف الكبري
مصادر
صادقي، مریم، مرکز دائرة المعارف الكبريhttps://www.cgie.org.ir/ar/article/235769